

بقلم: سهام ورقنجي
في زوايا مجتمعاتنا حيث يفترض أن تتشكل الروابط على أسس من الاحترام والثقة والقبول تظهر علاقات تُشبه في جوهرها ما شاهدناه في مسلسل “لعبة الحبار” الكوري الشهير.
علاقات ظاهرها الأمان وباطنها اختبارات قاسية تنتهي بإقصاء لا رحمة فيه، علاقات قائمة على طاعةٍ مشروطة لا يُغتفر فيها الخطأ ولا يُعترف فيها بالنية أو التاريخ أو حتى الحب.
علاقة الجندي بالملك.. الولاء فوق الإنسانية
في هذه العلاقات يجد الإنسان نفسه كأحد جنود الشطرنج، يتحرك وفق ما يُرسم له لا يملك قراره ولا يُسمح له بالخروج عن الخط، طالما ظل مطيعًا خاضعًا منضبطًا فإنه يظل “آمنًا” في محيط من يظنهم أحبابًا أو أهلًا أو أصدقاء، لكن ما إن يخالف أمرًا غير معلن أو يتصرف خارج المتفق عليه ضمنيًا تُرفع راية الإقصاء ويُلقى خارج الساحة بلا مقدمات.
الخطأ في هذه العلاقات لا يُقابل بالنصح أو الحوار أو التفهم بل بالعقوبة القصوى "الإقصاء، يُمحى وجود الفرد وكأنه لم يكن، يُسحب منه الاعتراف ويتحول فجأة من مقرّب إلى منبوذ، تمامًا كما في “لعبة الحبار”، حين تُرتكب هفوة بسيطة فيكون الرد عنيفًا ونهائيًا.
هذه العلاقات لا تقوم على الحب الحقيقي بل على الولاء المطلق، فيها تُغتال الإنسانية لحساب السلطة وتُقدَّم الطاعة على الصدق وتُستبدل المحبة بشروط باردة، إنها علاقات هشّة مهما بدت متينة، تتغذى على الخوف لا على التفاهم.
وهي بذلك أقرب إلى نماذج العلاقات السامة التي تقتل الشخصية وتصادر الحرية الذاتية.
هم أولئك الذين لا يتحملون النقد ولا يقبلون الاستقلال، قد يكونون من الأقارب أو الأصدقاء أو حتى الشركاء العاطفيين، يمنحونك شعورًا زائفًا بالأمان لكنهم يراقبونك كالمتحكمين في مسرح دُمى، فإن خذلتهم – ولو دون قصد – سقط القناع، وتحوّلوا إلى قضاة يطلقون حكم الإعدام العاطفي.
كيف نتعامل مع هذه العلاقات؟
الوعي هو الخطوة الأولى… حين نشعر أننا نعيش في مساحة مشروطة خاضعة لأوامر خفية يجب أن نتوقف ونسأل: “هل أنا أعيش ذاتي، أم نسخة معدّلة ترضي الآخرين؟”، العلاقات الصحية تُحتمل فيها الأخطاء ويُفتح فيها باب التفاهم والتسامح، أما العلاقات القائمة على التهديد الصامت فهي خطر يجب التحرر منه لا التكيف معه.
في زمن أصبحت فيه العلاقات مرآةً للمصالح والنرجسية علينا أن نُعيد تعريف القرب: القرب لا يعني التحكم ولا الطاعة ولا الغياب عن الذات، القرب الحقيقي هو أن تكون على طبيعتك وتُقبل كما أنت.
في “لعبة الحبار”، الجميع كان يخوض حربًا من أجل البقاء، أما في حياتنا، فيجب ألا تُصبح العلاقات ساحات معارك، نحتاج إلى روابط تحمينا لا تُهددنا، إلى صداقات تُصوّب أخطاءنا لا تُقصينا بسببها، فالحياة أقصر من أن نقضيها خائفين من السقوط في اختبار غير معلن في علاقات لا ترحم.