النهار

١٠:١٩ م-٣٠ أغسطس-٢٠٢٤

الكاتب : النهار
التاريخ: ١٠:١٩ م-٣٠ أغسطس-٢٠٢٤       14025

بقلم - الدكتور طارق يسن الطاهر

ضاقت الأرض بما رحبت على العباد والبلاد لمَّا تنته الحرب اللعينة بعد، حتى هطلت الأمطار كما لم تهطل من قبل، ولما تتوقف الأمطار حتى انتشرت الأوبئة الفتاكة.

حرب دمرت البلاد والعباد و أهلكت الحرث والنسل، وعطَّلت التنمية، وأعادت البلاد سنين ضوئية إلى الوراء.

الخرطوم، تلك العاصمة الوادعة الجميلة أصبحت مرتعا للأشباح حينما هجرها أهلها قسرا:

هل تذكرون أحبة كانوا هنا

تركوا الديار فأقفرتْ ساحاتُ

خوتِ البقاع من الأنيس بلوعةٍ

لتقامَ فيها للعدا ثكناتُ

كانت تهزُّ الأفْقَ منهم ضِحكةٌ

غابت وحَلَّ مكانها آهاتُ

الآن قد هجروا الأماكن كلها

فمشى على تلك البطاح طغاة

كانوا يعيشون الحياة نقيةً

قد أُطلقت في الأفق منهم صيحة

لا تنثني للخيِّرين قناة

دمرت مبانيها وشرد أهلها، وأبراجها التي كانت تناطح السحاب وتعد من معالمها صارت أثرا بعد عين.

هطل المطر غزيراً وابلاً غدقاً، بل ضاقت اليابسة وتقلصت مقابل المــــــاء، انهارت سدود ففاقمت المعاناة، وفُجرت الأرض عيوناً، وفُتحت أبواب السماء بماء منهمر، والتقى المـــــــــــــــــاء على أمــــــر قد قـــــــدر. 

وبات أهلنا يفترشون المياه ويلتحفون المطر، ينتظرون أمر الله بأن تبلع الأرض ماءها، وأن تقلع السماء، ويغيض الماء، ويستوي وطني على جودي الأمان، ويتجاوز تلك المحن التي تكالبت عليهم.

ذلك الشعب الذي ضاعت منه كل مدخراته، وفقد ذويه وتشتت شمله وتوزعت الأسرة الواحدة بين أماكن عدة داخلية وخارجية.

لك الله يا وطني قبل أن تفيق من نكبة تنتهبك أخرى.

ولسان حالك يقول:

ولو كان سهماً واحداً لاتقيته             

ولكنه سهم وثان وثالث.

فكلما تسعى لنزع نصل يأتيك نصل آخر، وحالك:

رماني الدهر بالأرزاء حتى 

فؤادي في غشاء من نبـــــــــال

فصرت إذا أصابتني سهام         

تكســـرت النصال على النصال.

ولكن إن كانت الفواجع كبيرة فإن رب الكون أكبر، 

هلعٌ تطاولَ في الأماكن كلها

هزَّ البريةَ فيه صوتُ نُواحـــــي

هذي الفجيعة أثخنتْ في خاطري

فيها المواجعُ كسَّرت لجناحي

لكنّ ربَّ الكون رحمنٌ بنا

سيغيثنا في غـــــــــدوةٍ ورواحِ

ستعود تلك الأرض تنشر عطرها

ويفوح سوسنها وزهر أقاحي