الكاتب : النهار
التاريخ: ١١:٥٩ ص-٢١ ديسمبر-٢٠٢٤       59455

بقلم -د. غالب محمد طه

تتوقع تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي أن التطورات التكنولوجية، بما في ذلك الروبوتات، ستغير بشكل كبير طريقة عمل الصناعات بحلول عام 2025.
حيث ستتمكن الروبوتات من أداء مهام تتجاوز قدرات البشر في حوالي 71% من هذه الصناعات.

هذا التحول الكبير يخلق تحديات وفرصًا جديدة للعالم العربي. يُتوقع أن يتم فقد نحو 75 مليون وظيفة نتيجة لهذا التحول، بينما سيتم خلق أكثر من 150 مليون فرصة عمل جديدة في مجالات ناشئة.

يتطلب هذا التحول التكنولوجي السريع من السعودية والدول العربية أن تسرع وتيرة تطوير المهارات والقدرات لمواكبة هذه التغيرات، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة، مثل نقص الموارد التقنية وتدني مستوى التعليم الرقمي.

في السعودية، تسير خطواتها بثقة نحو تحقيق رؤية 2030 من خلال الاستثمار في التحول الرقمي واعتماد تقنيات الروبوتات والذكاء الاصطناعي.

في القطاع الصناعي، تلعب الروبوتات دورًا محوريًا في تحسين الكفاءة والإنتاجية، فهي تقدم أداءً متفوقًا في تنفيذ المهام المتكررة بدقة وسرعة أكبر من البشر، مما يقلل من الأخطاء ويزيد من سرعة الإنتاج.

على سبيل المثال، مشروع "الزراعة الذكية" في نيوم يعتمد على الروبوتات لتقليل الفاقد من المياه وتحسين كفاءة الزراعة، مما يعزز الاستدامة البيئية ويؤدي إلى زيادة الإنتاجية الزراعية.

رغم هذه الإنجازات، لا يزال هناك حاجة لتوسيع نطاق هذه التكنولوجيا لتشمل مناطق أخرى وتحقيق الأهداف الاستراتيجية بشكل أكبر.

في القطاع الصحي، تسهم الروبوتات في تقديم حلول متقدمة في الجراحة والعلاج ،الروبوتات الجراحية، مثل "دا فينشي"، توفر دقة غير مسبوقة، مما يقلل من المخاطر ويسرع من عملية التعافي بشكل كبير.

العديد من المستشفيات في السعودية اعتمدت هذه التقنيات، مما ساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتقديم خدمات طبية متقدمة.

الروبوتات لا تقتصر على الجراحة، بل تشمل أيضًا تطوير أجهزة طبية جديدة توفر إجراءات طبية أكثر فعالية وأقل تأثيرًا على المرضى، مما يعكس الاستعداد الكبير في المملكة للاستفادة من التطور التكنولوجي في مجال الرعاية الصحية.

في التعليم، توفر الروبوتات التعليمية للطلاب فرصًا لتعلم البرمجة والهندسة بشكل تفاعلي وشيق. من خلال دمج هذه الروبوتات في الأنشطة الدراسية، يمكن للطلاب اكتساب مهارات تقنية أساسية وتطوير قدراتهم على التفكير النقدي والإبداعي.

مبادرات مثل "برنامج المواهب التقنية" في السعودية تسهم في تزويد الطلاب بالفرص لاكتساب المهارات المستقبلية من خلال الروبوتات، مما يعزز من قدرة الشباب على الابتكار ويعدهم لسوق العمل في المستقبل. هذه المبادرات تسهم في تلبية متطلبات رؤية 2030 لتطوير القوى العاملة التقنية في المملكة.
 

في سياق رؤية 2030، تعتمد السعودية بشكل كبير على تقنيات الروبوتات والذكاء الاصطناعي لتعزيز التحول الرقمي عبر القطاعات المختلفة. الروبوتات ليست مجرد أدوات تقنية، بل هي عناصر تسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية في تطوير الخدمات العامة، الصحة، التعليم، الصناعة، والترفيه.

تستخدم هذه التكنولوجيا في تسريع الإجراءات وتقليل الأخطاء في الخدمات الحكومية، وتحسين تجربة المستفيدين.

الجهات الحكومية تعتمد على الروبوتات المحادثة على منصاتها الإلكترونية لتوفير معلومات دقيقة حول اللوائح والسياسات والخدمات، مما يسهم في تحسين التواصل مع المواطنين ويقلل من الضغط على الموظفين البشريين.

تساهم الروبوتات بشكل كبير في تسريع التحول الرقمي في السعودية من خلال المشاريع المختلفة. على سبيل المثال، وزارة الصحة اعتمدت صيدلية ذكية تعمل بتقنيات الروبوت، والتي يمكنها رفض الأدوية منتهية الصلاحية وإصدار تقارير عن الأدوية القريبة من الانتهاء.

هذه الروبوتات تتميز بقدرتها على ترتيب الأدوية وتحديد الأدوية الأكثر قربًا للصرف تلقائيًّا، مما يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية.

هذه التكنولوجيا تُستخدم أيضًا في مراقبة الجودة وتقليل الأخطاء في العمليات الطبية، مما يعزز من قدرة المؤسسات الطبية على مواجهة التحديات المستقبلية.

الجهود السعودية لتطوير خدمات الحج والعمرة تُظهر كيف تستخدم الروبوتات لتحسين تجربة الحجاج والمعتمرين. الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أطلقت "الروبوت التوجيهي"، الذي يساعد الحجاج في فهم كيفية أداء المناسك والإجابة عن استفساراتهم بعدة لغات.

الروبوتات تُستخدم أيضًا لتوزيع عبوات ماء زمزم وإجراء عمليات التعقيم، مما يعكس توجه المملكة نحو تحسين النظافة والسلامة في الأماكن المقدسة باستخدام التقنيات الحديثة. هذه التطبيقات تسهم في تقليل الازدحام وتُعزز من تجربة الحجاج في ظل النمو المتزايد لعدد الزوار.

في القطاع الصناعي، تقدم شركة أرامكو السعودية مشاريع بحثية متقدمة في مجال الروبوتات.

تشمل هذه المشاريع روبوت فحص وتفتيش في المياه الضحلة تحت سطح البحر، لتفتيش الأنابيب وخزانات النفط باستخدام الموجات فوق الصوتية. هذه المشاريع تُسهم في تحقيق كفاءة أعلى وتقليل المخاطر في العمليات الصناعية، مما يعكس التزام المملكة بتطوير تكنولوجيا الروبوتات لمواجهة التحديات في القطاع الصناعي.

يمكن تعزيز المقال من خلال توضيح كيف يتم تطوير التعاون بين القطاعين العام والخاص لدعم الابتكار وتسريع الانتقال إلى استخدام الروبوتات في الصناعات المختلفة.

السعودية، من خلال تسارع وتيرتها في التحول الرقمي، قادمة وبقوة لتتبوأ مكانتها الطبيعية والطليعية على خارطة العالم الرقمي، مستفيدة من الروبوتات والذكاء الاصطناعي لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

تواجه المملكة تحديات كبيرة، لكنها مدعومة بالرؤية الاستراتيجية الطموحة لرؤية 2030، التي تهدف إلى تحقيق الريادة في مختلف القطاعات. يبدو أن السعودية بهذه الخطوات قد التقطت قفاز المبادرة للتربع على فضاء التكنولوجيا، وتصبح نموذجًا يحتذى به.

فهل ستتمكن السعودية من تحقيق الريادة ليس فقط في العالم العربي والمحيط الإقليمي، بل في الفضاء الرقمي الدولي بأسره؟