أحمد سليمان النجار
الإخطأو الأملاءيه ..!!
سأل معلم اللغة العربية تلميذاً :
أين ستقضون هذا الصيف ؟
فقال التلميذ :
سنسافر إلى ( تشيكوسلوفاكيا ) ..
فقال المعلم : جميل , هل ممكن أن تكتب اسم هذه الدولة على ( السبورة ) ؟
قال التلميذ : أنا لم أكمل ياأستاذ , ( تشيكوسلوفاكيا ) هو رأي زوجة أبي الجديدة , ولكن أمي رفضت , وكان رأيها مدينة عرعر* , ووافق أبي ..!!😄
في دراسة حديثة قامت بها جامعة ( ميتشجان ) الأمريكية , وجدت أن العامل المشترك بين ثمانين شخص يميلون لتصحيح الأخطاء الإملائية , أنهم (انطوائيون)
, وقبل أن يرقص طرباً من ( يحكرون ) اللغة العربية و ( يدبغونها دبغاً مُبرحاً ) بكثرة الأخطاء فيها , ويقومون بإرسال هذه الدراسة مع ( فيس ضاحك ) لمن يُصحح لهم بعض أخطائهم , ومعها صورة ورقة مطوية ( يعني قصدهم : يامنطوي ) , وجدت لزاماً أن أوضح أمراً هاماً للغاية فأقول :
هذه الدراسة صحيحة من جهة العلة النفسية , ففعلاً , من أبرز علامات اضطراب الشخصية ( التجنبية أو الانطوائية ) - وهو جزء من الوسواس القهري - هو ميل الشخص للمبالغة في تتبع الأخطاء اللغوية-ومنها الإملائية - وتصحيحها , وهي مايطلق عليه بعض العلماء , أمثال : الدكتور( دنيس بارون ) عالم اللغويات والمتخصص في قواعد اللغة , بـ ( متلازمة التحذلق اللغوي ) ..
ولكن إلقاء هذا الكلام على عواهنه ( ياخي متعوب عليها عواهنه ) ووضع كل المُصححين في سلة واحدةٍ , خطأ كبير , وفي نظري أن الميل لتصحيح الأخطاء - وبشكل عام , في اللغة وغيرها - على ثلاثة مستويات :
1- المستوى المُتخصص :
وهي فئة متخصصة ومحترفة في مجال ما , فهؤلاء - ومن الطبعي - أن الخطأ في مجال تخصصهم يلفت انتباههم أكثر من غيرهم , ومع الوقت تتكون لديهم مايشبه الغيرة والحمية على المجال , فلا يطيقون الخطأ فيه وقد يؤذيهم ذلك الخطأ , فيقومون بالتنبيه والتصحيح , ولايكون مقصدهم استعراض عضلاتهم ولا الانتقاص من الشخص المُصَحَحِ له , ولكن أن يستقيم الأمر ويزول الخطأ , وهذه الفئة لاتعاني بالتأكيد من تلك المتلازمة , ولا من اضطراب الشخصية , قد يكون هناك نقص عند بعضٍ منهم في أدبيات النقد وأساليبه التي تجعله مقبولاً ويؤتي ثماره , ولكنهم يخرجون من الدراسة السابقة , والاستماع لهم - حتى ولو كان أسلوبهم فظاً في بعض الأحيان - مفيد للمُصَحَحِ له جداً ..
2- المستوى المُتربص :
وهي فئة متخصصة بالانتقاد لمجرد الانتقاد , وبعضهم يكون لديه أهداف أخرى غير تلك التي تُحرك فئة المستوى المُتخصص , فهم يرغبون في إظهار نقص الشخص والتقليل من قيمته عبر التقليل من قيمة عمله , وإثبات أنهم أفضل منه عبر رحلة الصيد التي يقومون بها لاقتناص أي خطأ من أي نوع , وتضخيمه , والتعليق عليه , وطمس كل الإيجابيات في العمل والتركيز على هذا الخطأ فقط ..!!
ومعظم هذه الفئة غير محترفة في المجال الذي تصدروا له , وأكثرهم -فعلاً - يعانون من اضطرابات نفسية مختلفة , وبعضهم من اضطراب يُسميه الدكتور عبسي ( معلم المطبق في حارتنا ) متلازمة ( غثاثة بعيد عنك ) , وهذه الفئة واضحة جلية ولاتخفى على المُصَححِ له , ولا ردة فعل أفضل من شكرهم ثم تجاهل الأثر الذي يسعون له , مع عدم تجاهل ماقد يحمله بعض نقدهم من صحة مُحتملة والاستفادة منه ..
3- مستوى ( الفصفص ) :
وهي فئة تفهم في كل أمر ولديها قدرة خارقة على اكتشاف الخطأ في أي عمل , حتى قبل ظهوره , وتجد في ذلك تسلية كأكل الفصفص , وأحياناً باباً لإثبات ذواتهم , وهذه الفئة تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي , ولايكاد يسلم منهم أحد , يستيقظون ويشرعون في إعداد برنامج ترفيهي خاص بهم , عنوانه :
( أين أفتي هذا المساء ؟!!)
وعلاجهم يشتركون به مع المستوى المُتربص , إلا أن تجاهل الأثر السلبي لتعليقاتهم لابد أن يكون أشد ..
أما من شملتهم الدراسة , فإن لهم علامات واضحة للغاية , ومنها المبالغة المرضية في التصحيح الدائم , في كل وقت , وعلامات أخرى مختلفة في أمور أخرى لا تخطئها حتى عين غير المتخصص , وهم في الغالب محترفون ومتمكنون ولاتدفعهم نية سوء وليس لديهم أهداف إيذاء ولا أغراض انتقاص ..
*عرعر :
مدينة تتنفس جمالاً , وفي ظني أن تسميتها لم تأتِ فقط من شجرة العرعر العطرية المدهشة , بل من تكرار ( عروس رائعة ) مرتين للتأكيد ..❤️
📌 ** هنا انتهى المقال , ولكن من كان مهتماً بالإملاء , ففيما يلي رؤية خاصة بي عنه , فأهلاً به :
'
( الإملاء ) هو مصدر الفعل أملى يملي , وهو إلقاء القول على الكاتب ليكتبه , وبذلك تكون الأداة الرئيسة لتحقيق ذلك هي ( السمع ) , فعلى الحقيقة فالكاتب يكتب مايسمعه كما يسمعه في العادة , لذلك - في نظري - أن الأخطاء الإملائية على قسمين اثنين :
1- أخطاء مردها للنحو مثل : الأعداد أو الألفاظ التي حركات إعرابها فرعية بالحروف لابالحركات , أو لعلامات الترقيم , وهذه تُنسب للإملاء من باب المحصلة النهائية , ولكن العمل عليها يكون عبر تقوية قواعد النحو وعلامات الترقيم عند المُتعلم .
2- أخطاء مردها للسمع , وهذه إما أن تكون بسبب خطأ في نطق الكلمة من المتكلم , أو لأن الكلمة - واعتماداً على السمع - تُكتب هكذا , وهذا ماجعل أهل اللغة يفردون في الإملاء أبواباً مثل : الزيادة والحذف وغيرها .., أو لأن الكلمة من المتشابهات , ويندرج تحت ذلك : الهمزات - مثلاً - والظاء والضاد , والتاء المربوطة والهاء , والألف الممدودة والمقصورة , وغيرها ..
وعندي ظنٌ يرقى لدرجة اليقين , بأن أفضل علاج للإملاء - أياً كان سبب الخطأ فيه - هو في القراءة والقراءة والقراءة ..!!
أحمد سليمان النجار