لواء م عبد الله ثابت العرابي الحارثي
لاشك أن إدارة الحشود الأن علم يدرس ويؤخذ به عند أي حدث أو مناسبة ،لكن إدارة الحشود بالحج من قبل المملكة العربية السعودية أضحت محط إعجاب واهتمام العالم أجمع فهي تجربة مختلفة في سماتها وأدواتها وظروفها المحيطة عن أي إدارة حشود في العالم
من حيث الإهتمام فالدولة السعودية( أيدها الله) تهتم وعلى أعلى مستوى في الدولة سيدي خادم الحرمين الشريفين وسيدي ولي العهد (حفظهم الله )بخدمة ضيوف الرحمن .التي يرونها هبة ربانية وشرف عظيم ومهمة عظيمة اختص وشرف الله بها هذه البلاد وأهلها ، من أجل ذلك يتابعون ويحرصون ويسخرون كافة إمكانات الدولة لخدمة ضيوف الرحمن ويدعمون تجربة إدارة الحشود بخلق بيئات تحتية جبارة ومشاريع عملاقة ومبادرات خلاقة وكافة أشكال الدعم اللوجستي
كما أن كافة أجهزة الدولة تسعى للإستعداد
والتهيؤ والتجهيز للحج من نهاية كل موسم
وتعتمد خططها قبل الموسم بوقت كافي ويراعى فيها كافة المتغيرات الحديثة والجديدة وكافة المخاطر المتوقعة وتعمل التجارب الفرضية التي تحاكي الحوادث الحقيقة يشارك فيها كافة الجهات الحكومية المشاركة بالحج لاختبار جاهزيتها واستعدادها ومن الافت المبهج هو التناغم والتكاتف والتنسيق العالي من كافة الجهات الحكومية لتحقيق الهدف السامي النبيل أمن وسلامة ضيوف الرحمن
إدارة الحشود بالحج تبدأ منذ دخولهم الأراضي السعودية حيث يتم إستقبالهم بالورود والهدايا وتسهيل إجراءات دخولهم
وتأمين وسائل النقل لهم وتغطية كافة الطرق المؤدية للمشاعر بالخدمات الأمنية والطبية واللوجستية ومتابعة سير تنقلهم حتى مقرات سكنهم
وتمتاز إدارة الحشود بالحج بأنها تتم في ظروف خاصة وسمات لا شبيه لها فاعداد الحجيج بالملايين من ثقافات مختلفة وأعمار وحالات صحية وقدرات بدنية مختلفة ربما بعضها لا يتواءم مع طبيعة الحج التي تحتاج لجهد كبير ، وظروف الطقس والمناخ .
والأهم أن مناسك الحج مقيدة بمناطق جغرافية وأزمنة محددة لايكتمل نسكهم إلا في هذه المناطق وهذه التوقيتات الزمنية الدقيقة
فلا يمكن أن نقدم مثلاً يوم عرفة الى السابع او الى الثامن من ذي الحجة أو أن يكون الوقوف في مزدلفة بدل عرفة وهكذا بقيت مراحل النسك ملتزمة بمكان وزمان محدد لايمكن الاخلال باي ركن منها.
ورغم هذه الظروف الصعبة والمعقدة أحياناً إلا ان الجهات الحكومية وبالذات الأمنية قد بنت خططها ورسمتها على التعامل مع هذه التحديات
فنرى اعلن الجاهزية مبكراً والتمركز والإنتشار والتموضع والتواجد الأمني المكثف لتنفيذ الخطط والمتابعة الدقيقة عبر القيادات الميدانية وغرف العمليات التي تنقل لها الكاميرات الحالة الميدان .
ونرى التطور واضحاً في أعمال وخطط رجال الأمن بأخذهم بكل حديث وجديد من التقنيات والتكنلوجيا و خوارزميات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتطبيقات الهواتف الذكية والكميرات التي تتابع بدقة سير تحرك وتفويج الحجاج عبر المراحل الزمنية للحج
ولم يكتفو بهذا بل نرى الجهات الأمنية والحكومية وقد أخذت بوسائل العلم والمعرفة في إدارة الحشود لمعرفة خصائص وسمات وسلوك الأفراد داخل الحشود والتحليل النفسي والإجتماعي للحشود وأسباب تشكلها وتوقع سلوكياتها وردود أفعالها وبطاقات التفويج وطب الحشود والسبل والطرائق الأمنة في التحكم والسيطرة على الحشود والتواصل الفعال معهم من أجل سلامتهم.
ومن ضمن سمات ادارة الحشود بالحج التي تمتاز بها عن غيرها هي توفير خدمات السكن والاعاشة والتنقلات والرعاية الطبية.
ولعل واسطة العقد في منظومة إدارة الحشود هي المبادرة الخلاقة لوزارة الداخلية(طريق مكة) والتي تأتي ضمن برنامج خدمة ضيوف الرحمن أحد أهم مستهدفات رؤية المملكة 2030 والتي تعمل على إنهاء إجراءات الحجاج في أوطانهم في سبع دول كمرحلة أولى قبل وصولهم الى المملكة حيث يتم نقلهم وأمتعتهم الى مقر سكنهم بمكة المكرمة او المدينة المنورة مباشرة وهذه البادرة المباركة تتكفل المملكة العربية السعودية بكافة تكاليفها المادية.
إدارة الحشود في الحج تجربة فريدة متميزة تُدرس وتدرس وتحتذى وتقتدي وتمثل حجر الزاوية في منظومة الحج حيث تسعى الى سلامة وأمن الحجاج منذ دخولهم الى المملكة حتى أدائهم نسكهم ومغادرتهم الأراضي السعودية سالمين غانمين
وليس كما يظن البعض أن ادارة الحشود عملية محدودة بتسيير وتنظيم حركة الحجاج بالحرم والجمرات ، أبداً هي منظومة عمل متكاملة منذ دخول الحجاج وحتى مغادرتهم وهذا مايميزها ويجعلها لاشبيه لها بالعالم .
والشيء بالشيء قبل بضعة اعوام طلبت المنظمة الدولية للحماية المدنية من المملكة العربية السعودية عرض تجربة ادارة الحشود بالحج على أعضاء المنظمة بجنيف وقد كنت ضمن الوفد المشارك ورأيت والله إندهاش وأعجاب وإشادة أعضاء المنظمة والمختصين من الوفود المشاركة بهذه التجربة المتألقة .
فالدول تفتخر وتعتز بنجاحها في إدارة حشود لحضور معرض ومؤتمر عالمي او منافسات كاس العالم وربما لمرة واحدة في تاريخها فكيف بدولة مثل السعودية تدير هذه الحشود المليونية كل عام في زمان ومكان محدد لله الحمد والمنة.
بقلم - اللواء متقاعد. عبدالله ثابت العرابي الحارثي